Translate

الأحد، 9 أغسطس 2015

اليوم... الذكرى 75 لتأسيس الجيش الليبي

 دولة بلا جيش هي حديقة بلا حرّاس... يدخلها من يشاء ويعبث بها الآجانب والغرباء.

نحن نعرف بأن الثورات العربية الحديثة أو ما عرف ب"ثورات الربيع العربي" كانت قد قامت كلّها في فترات متقاربة جدّاً، لكن تونس ومصر تمكنتا من تحطيم الطوق والخروج من الدائرة المفرغة. لم تتمكّن أي من تونس ومصر من تحقيق ما حقّقته لولا إمتلاك كل واحدة منهما لجيش قوي ومنضبط ويخضع بالكامل للدولة.ليبيا... وهي الدولة الثالثة التي شهدت ثورة شعبية حقيقيّة قام بها الوطنيون من أبناء وبنات الشعب الليبي، لكن ليبيا برغم خطواتها الأولية الواثقة بعيد نجاح ثورة فبراير 2011 إلّا أنّها سرعان ما تحوّلت إلى ضحيّة للطغاة الجدد الذين لم يسعدهم رؤية ليبيا وهي تسير بخطى ثابتة نحو الغد المشرق، فهم لايؤمنون بشئ إسمه الديموقراطيّة، ولا يعترفون بالحداثة، ولا يجيدون النظر إلى الأمام. 
سيطر الإخوان المسلمون على صناعة القرار في ليبيا برغم أنّهم كانوا أقلّية في البرلمان، وذلك لأنّهم يعيشون على الخداع ويؤمنون بنظريّة "أن الغاية تبرّر الوسيلة". وقفت مع الإخوان كل التنظيمات الدينيّة المتشدّدة من بينها الجماعة الليبيّة المقاتلة ومن يسمّون بكتلة الوفاء للشهداء، وتعاطف معهم كذلك تنظيم أنصار الشريعة والمؤمنون بأفكار تنظيم "داعش". 
الإخوان المسلمون معروفاً عنهم حساسيتهم المفرطة من الجيش، وربّما هم يعانون من إرتعاب هووسي من أي شئ له علاقة بالجيش، وذلك قد يعود إلى أوائل الخمسينات حينما إستطاع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إبعاد الإخوان عن آماكن صنع القرار في مصر فتجنّب بذلك شرورهم، ويقيناً أن عبد الناصر إنتصر على الإخوان بالجيش. من هنا نرى بأنّه بمجرّد سيطرة الإخوان في ليبيا على كل مرافق الدولة بما فيها المؤتمر الوطني، فقد غيّروا ربّان سفينة التغيير في بلادنا ممّا أسفر عن تغيير وجهتها وخط سيرها أيضاً.
من المعروف بأن الإخوان المسلمون لم يشاركوا في ثورة 17 فبراير ولم يخطّطوا لها أو يتوقّعوا حدوثها، حيث أنّهم كانوا من بين عرّابي مشروع "ليبيا الغد" ممّا جعلهم حلفاء لسيف إبن القذّافي محاولين بذلك إقتناص فرصة تمكّنهم من السيطرة على بعض مراكز صنع القرار في ليبيا وبذلك فهم لم يكن وراداً في تفكيرهم تغيير ذلك النظام الذي هادنهم وصالحهم إتقاء لشرورهم، وربما محاولة منه لتغيير العقلية القديمة التي كانت على نقيض كامل مع كل ما تدعوا إليه التنظيمات الدينيّة والجهادية منها على وجه الخصوص.
بعد تمكّن الإخوان من المؤتمر الوطني بتحالف مع كل القوى الدينيّة التي مع إختلافها مع طريقة تفكير الإخوان إلّا أنها رأت فيهم حليف اللحظة الذي ربّما يمكّنهم من السيطرة على دفّة الحكم في ليبيا، وكما هو معروفاً عن الجماعات الدينيّة أنّها تفكر بعقلية اليوم ولا تحسب كثيراً، ومن ثمّ فإن مصالحها الآنية كانت تتوافق مع مصالح الإخوان بإعتبار أن جميع التنظيمات الدينيّة تفكّر بنظريّة "إعادة الخلافة" وتطبيق "أحكام الشريعة"، وعدم الإعتراف بكل أبجديات نظرية الحكم الحديث من التركيز على الدولة القطريّة، وإختيار العلمانية كمنهج حكم، وكذلك الإعتماد الكلّي على مفرزات صندوق الإنتخاب لإختيار الحاكم وتغييره ومحاسبته بدل نظريّة "الخليفة" الذي يحكم بفكرة التفويض الإلهي التي تجعل من الحاكم ظل الله في الأرض بما يستوجب الإيمان بأن الحاكم هو "ولي الأمر"، وولي الأمر تتوجّب طاعته على أساس أنّه يخاف الله ولا يجوز للرعية بأن تحاكم ولي الأمر الذي يراقبه ويحاسبه ضميره وخوفه من الله.
الذي يهم في هذا الإطار هو أن سيطرة الجماعات الدينية بقيادة الإخوان على مقاليد الحكم في ليبيا وتهميش كل القوى الوطنية على ساس أنّها "علمانية"، والعلماني عندهم لا يحكم بشرع الله وبذلك يصنّف في خانة "الكافر" الذي لا يحق له حكم المسلمين. هذا الوضع مكّن الإخوان من التغلغل في بقايا الجيش الذي تم تدميره وتشريد أغلب ضبّاطه أثناء ثورة 17 فبراير وتدخّل حلف الناتو المباشر والذي ضربت طائراته كل البنية التحتية للجيش الليبي الذي كان عبارة عن كتائب مسلّحة مشكّلة على قاعدة أمنيّة كانت تتركّز على حماية القذّافي وكل المقرّبين إليه بدل أن تكون تلك الكتائب المسلّحة بمثابة جيش البلاد الوطني. الجيش الليبي التاريخي تم تهميشه بالكامل في عهد الطاغية معمر القذّافي، وبذلك فلم يكن له أي وجود فعلي على الساحة.
 
تلك الأوضاع ساهمت في خلق فراغ عسكري كبير في ليبيا بعد نجاح ثورة 17 فبراير، الأمر الذي إستفاد منه الإخوان بأن عيّنوا رئيساً للأركان من بين المتعاطفين معهم، وكانت الجماعات الإسلامية قد إغتالت اللواء عبد الفتّاح يونس كما نعرف وهو في نظرهم كان يشكّل تهديداً كبيراً لوجودهم بإعتبار أنّه كان عسكريّاً مهنيّاً محترفاً ويؤمن بوجود جيشاً إحترافيّاً ومهنيّاً في ليبيا لآنّ المرحوم اللواء عبد الفتّاح يونس كان يؤمن بكل معطيات الدولة العصريّة الحديثة والتي من بينها الجيش الإحترافي والشرطة العصريّة المتمدّنة.

بعد إغتيال اللواء عبد الفتّاح يونس، تواصلت إغتيالات ضبّاط الجيش الليبي وكل المهنيين المحترفين في المجالات العسكرية والأمنية بحجّة أنّهم كانوا من حماة النظام السابق ممّا خفّف من ردة الفعل الشعبية إلى درجة أن الناس في ليبيا لم تكن تبالي حينها أو تكترث بأخبار إغتيال هذا الضابط أو ذلك على أساس أنّها تصفيات مع رجال النظام السابق. الذي شعر بالخطر هم ضبّاط الجيش أنفسهم، وكان اللواء خليفة حفتر من أوّل المستفزّين والقلقين من تكرار عمليات الإغتيال حتى إقترب عدد المغتالين من 600 ضابط ومهني ومتخصّص في المجالات الأمنية والدفاعية. قرّر اللواء خليفة حفتر مع بعض زملائه المقرّبين إليه الوقوف علانية في وجه تلك الإغتيالات وهذا وضعه بكل تأكيد في الجبهة المقابلة لكل التنظيمات الدينية على إعتبار أنّها كانت من يقوم بتلك الإغتيالات.
بدأ اللواء خليفة حفتر في التفكير في إعادة الإهتمام بالجيش الليبي ولم تكن تلك المهمّة بالسهلة. تشكّلت لبنة صغيرة في البداية، وبالإصرار والتخطيط بدأت فكرة إعادة تشكيل وتأهيل الجيش الوطني الليبي تتحوّل إلى واقع، وبالفعل أطلق اللواء خليفة حفتر "عملية الكرامة" في 16 مايو عام 2014، وإنضم إليها الكثير من بقايا الجيش الليبي المهمّش، وبقايا القوات البحرية، والقوات الخاصة "الصاعقة" بقيادة العقيد يونس أبو خمادة. 

بدأت تشكيلات عسكرية مهنية ومحترفة تخرج إلى الوجود، وتمّت تسمية ضبّاط لقيادة الأفرع المختلفة للجيش، وبدأ الناس يحسّون أوّلاً: بأهمية وجود الجيش في ليبيا، وثانياً: بمقدرة اللواء خليفة حفتر على تحقيق تلك الأمنية... والتي بالفعل أصبحت أمنية قوية لدى أغلب الليبيّين والليبيّات بعد إنتشار الفوضى وتسلّط المليشيات المسلّحة على الناس وبعد تلك الأعمال الغير مسئولة التي قامت بها تلك المليشيات الغير منضبطة. 
بدأ الليبيّون والليبيّات في شرق البلاد وغربها وجنوبها وشمالها يحنّون إلى الدولة المدنية بعد أن خذلتهم الدولة الدينية بكثرة الفساد فيه أركانها وبتكرار عمليات الخبث والعبث بحقوق المواطن على أيدي مؤسّساتها وقوّادها. كما أن جلب مقاتلين من خارج ليبيا إليها وظهور تنظيم داعش في بعض المناطق وما قامت به مليشيات "فجر ليبيا" و"القسورة" و"الشروق" و"الرمال المتحرّكة" وما إليها من التسميات، كل تلك التغييرات أدّت إلى زيادة الإحتقان في ليبيا وأشعرت الناس بأن هناك مساع قوية لتقسيم البلاد ممّا أحسّ الليبيّين والليبيّات برغبة أكبر لرؤية جيشاً وطنيّاً يكون بإستطاعته الحفاظ على ليبيا موحّدة ويحمي حدودها من الهجرات الأفريقية التي هي بدورها ساهمت في إحتقان الأوضاع في ليبيا وخاصّة في الجنوب الليبي. 
وقرّر مجلس النوّاب الليبي أخيراً ترقية اللواء خليفة حفتر إلى رتبة فريق أوّل وتم تعيينه قائداً عامّاً للجيش الليبي، وقد تكون هذه المحاولة بمثابة البداية الحقيقية لتأسيس جيشاً ليبياً محترفاً، وقد تتمكّن الحكومة الليبية (حكومة الوفاق الوطني) المزمع تشكيلها في الآسابيع القليلة القادمة من تسمية الجيش الليبي الرسمي، ومن ثمّ فقد تنجح في إعادة تسليحة وتدريب عناصره بعد رفع حظر السلاح المفروض على ليبيا منذ بداية الثورة على نظام معمر القذّافي.
من هنا نرى بأن الإحتفال بالعيد الوطني للجيش الليبي في هذه السنة لم يحظى بالكثير من الإهتمام الشعبي نظراً للأوضاع المزرية التي تعاني منها البلاد، ونظراً لرداءة الخدمات وإحساس المواطن الليبي بالمهانة في بلاده، وإحساسه أيضاً بغياب كلّي للأمن على كل التراب الليبي؛ وبذلك نرى أن إهتمام المواطن أصبح اليوم بتوفير كسرة الخبز وشربة الماء لأطفاله ولم يعد يجد الوقت للإهتمام بقضايا الوطن وذلك أدّى إلى فقدان الأمل في كل شئ والإحساس بالإحباط وربما الحنين إلى النظام السابق برغم كل مساوئه. 
برغم كل تلك الإحباطات، وبرغم كثرة الألم وشدة الحزن أقول لجيشنا الليبي: مبروك عليكم عيدكم الذي هو عيدنا، وبكل تأكيد فإن الغد سوف يكون أحسن من اليوم... فعلينا بألّا نفقد الأمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق