Translate

الأحد، 11 مارس 2018

الحقوق السياسية بين الإسلام والوثائق الدولية

بقلم: الدكتور عارف التير: جزئية من بحثي العلمي المحكم الذي كان بعنوان : الحقوق السياسية بين الإسلام والوثائق الدولية

الفطرة في القران الكريم : 
جاء في لسان العرب: الفِطْرةُ تعني الابتداء والاختراع، والفِطْرةُ بالكسر:الخِلقة وهي ما فَطَرَ الله عليه الخلقَ من المعرفة به ، وجاء في الصحاح في اللغة: فطره بالضم أي خلقه، والفطر الشق يقال فطرته فانفطر، وتٌفِطر الشيء تشقه ، وفي مقاييس اللغة الفطرة فتح الشيء وإبرازه .
لقد وردت كلمة فطرة ومشتقاتها في القرآن الكريم للإشارة إلى خلق الله للإنسان، وخلق السموات والأرض في آيات ومواضع كثيرة ومتفرقة، ففيما يخص خلق الإنسان قال الله تعالى:{{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}}، وقوله: {{أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا}} ، وقوله:{{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}} ، وقوله:{{ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ}} ، وقوله:{{وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}} ، وقوله:{{إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}}.
وفي خلق السموات والأرض قال تعالي:{{قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}}، وقوله:{{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}} ، وقوله:{{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}} ، وقوله:{{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}} ، وقوله:{{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}} ، وقوله:{{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}} ، وقوله {{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}} .
ومن خلال الآيات السابقة، نري أن كلمة فطر وفاطر قد وردتا وصفاً لفعل الله تعالى الذي لا يقدر عليه أحد، وهو يعكس تفرّده بهذا الأمر لنفسه وهو الخلق والإنشاء.

الفطرة في السنة النبوية الشريفة : 
في السنة النبوية الشريفة ـ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله: (خمس من الفطرة الختان والإِستحداد وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقص الشارب) ، وقوله عليه السلام: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء) .
وفي تفسير إبن كثير: أن الله قد فطر الناس على الإسلام، أي فطر خَلَقِه على معرفته وتوحيده وانه لا إله غيره ، أما القرطبي في تفسيره فقد ذكر أن معنى الفِطرة المذكورة في القران والسنة يحتمل عدة تفسيرات أهمها: 
  1. إن الفطرة هي الإسلام، وسميت الفطرة دينا لأن الناس يخلقون له, وإنها تعني إتباع دين الله الذي خلق الناس له، قال الله تعالى:{{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}} . 
  2. الفطرة هي البداية التي ابتدأهم الله عليها، أي على ما فطر الله عليه خلقه من أنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاء، وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ، والفطرة في كلام العرب البداءة، والفاطر: المبتدئ، روي عن ابن عباس أنه قال : لم أكن أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر؛ فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أي ابتدأتها. 
  3. إن قول الله تعالى {{ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا }}، وقول الرسول عليه السلام: ( كل مولود يولد على الفطرة ) ليس المراد منه العموم لجميع البشر؛ وإنما المراد بها الناس المؤمنون، إذا لو فطر الجميع على الإسلام لما كفر أحد؛ وقد ثبت أنه خلق أقواما للنار، كما قال تعالى: {{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}}. 
  4. الفطرة هي الخِلقة التي خلق الله عليها المولود في المعرفة بربه، فكأنه قال: كل مولود يولد على خِلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة، يريد خِلقة مخالفة لخِلقة البهائم التي لا تصل بخلقتها إلى معرفته، فالفطرة هي الخِلقة والفاطر هو الخالق، قول تعالى:{{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}}، يعني خالقهن. وبقوله: {{وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}} ، يعني خلقني؛ وبقوله {{قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}}، يعني خلقهن؛ ولهذا فالفطرة هي ولادة المولود حسن الخِلقة والطبع والبنية، حيث الإيمان والكفر بعد البلوغ، يقول الله تعالى: {{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}} ، فمن لا يعلم شيئا إستحال منه كفر أو إيمان، أو معرفة أو إنكار .
فالتفسير الأخير لمعنى الفطرة الذي ذكره القرطبي هو الأقرب للصواب والراجح عنده حيث يقول:" ويستحيل أن تكون الفطرة المذكورة هي الإسلام كما يقول إبن شهاب:ل أن الإسلام والإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح وهذا معدوم من الطفل ولا يجهل ذلك ذو عقل ، وبهذا خالف الأمام القرطبي السلف القائلين إن الفطرة هي الإسلام .
فالفطرة هي الخِلقة الأولى التي أوجد الله عليها الإنسان بتركيبته الجسمية والنفسية، وهذه الفطرة جاءت نتيجة للمشيئة الإلهية في خلق هذا المخلوق، ولا أحد يعلم على وجه اليقين لماذا أرادت المشيئة الإلهية خلق البشر، فمن يقول لعمارة الأرض، ومنهم من يقول لعبادة الله، ومنهم من يقول خليفة لله، ومنهم من يقول إنه خليفة لأقوام آخرين، ولكن الجواب الحقيقي لهذه التساؤلات لا يملكه إلا الله، هذه الفطرة أو الخِلقة أوجدت لهذا المخلوق بعض المظاهر:
  1. الفطرة، ألزمت الإنسان في أن يعيش في جماعة؛ إذ أن الإنسان لا يمكن أن يعيش منفرداً، فلابد له من بني جنسه يتألف معهم ويشاركهم ويشاركونه، ويتعاون معهم بسد حاجته في عملية تبادلية ليستقيم أمره، ولقد اجتمع هؤلاء الأفراد وكونوا جماعة، لان الطبع والفطرة يتطلبان ذلك وهذا نراه في المخلوقات الأخرى من حيوانات وحشرات بعيشها في مجموعات من نفس الفصيلة ونفس النوع، وكما قال ابن خلدون في مقدمته في ضرورة الاجتماع الإنساني: "إن الاجتماع الإنساني ضروري فالإنسان مدني بالطبع، وركبه الله على صورة لا تصح حياته وبقاؤه إلا باجتماع القدر الكثير من أبناء جنسه ليحصل لهم القوت والتعاون" .
  2. هذا المخلوق فطره الله على الحرية، ومنحه إرادة عاقلة قادرة فاعلة ليس عليها أي قيود، حتى ولو اختارت هذه الإرادة مخالفة تعاليم خالقها قال تعالي: {{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}}، وقوله:{{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}}. فإذا كان الإنسان قد فٌطِرَ على أن يختار بين عبادة خالقه وبين معصيته، بغض النظر عن أنه سيثاب إذا أطاعه، وسيعاقب إذا عصاه فهذه مسألة تترتب على الاختيار، فالأمر المهم أنه حر في اختياره ويتحمل نتيجة هذا الاختيار، فالتساؤل المنطقي في هذه الجزئية إذا كان الله قد خلق الإنسان بحرية وإرادة تامة في أن يعبده أو يعصيه، أليس من الأولى أن تكون حريته أكبر وأعم وأشمل في علاقته مع غيره من بني جنسه الذين خلقهم جمعياً على نفس الفطرة ؟ و إذا كان الله لم يكره الناس على عبادته وطاعته وإتباع أوامره ونواهيه، فكيف يتصور أن يكره عباده على الخضوع والطاعة بدون رضاهم لعبد مثلهم ؟، يقول الدكتور عرفان عبد الحميد في مجلة التجديد التي تصدر عن الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا :" إنني عندما أعيد قراءة قصة إبليس في القرآن الكريم اغبطه على نعمة الحرية الكاملة التي كان يتمتع بها، لقد استطاع أن يوحد بين تفكيره وقوله، وعبر عن ما في نفسه من أفكار بأنه لن يسجد لهذا المخلوق، وكان الله قادراً على مسحه من الوجود، ولكن الله منحه الحرية الكاملة وأخرجه من زمرة الملائكة، وأمهله إلى يوم يبعثون بناء على طلبه". فالحوار الذي دار بين إبليس وبين الله يعكس مدى حرية التعبير التي منحها الله لجميع مخلوقاته، والتي لا أشك مطلقاً في أن الله قد منحها للإنسان الذي كرمه، قال تعالى: {{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}} .
  3. لقد ألزمت الفطرة الإنسان أن يكوّن علاقات مع هؤلاء الآخرين الذين يعيش معهم، سواء كانت علاقات سلمية تعاونية أو علاقات تنافسية صراعية، وهذه العلاقة تحتاج إلى ما ينظمها لكي تستقيم الحياة، فتوصل الفكر البشري ولا نعرف متى تم ذلك (المرجح انه تم في العصور الأولى لخلق الإنسان)، إلى ضرورة وجود سلطة أعلى من سلطة الأفراد، بغض النظر عن المسميات التي تطلق عليها طالما جوهرها ممارسة تنظيم الاجتماع الإنساني، أي تنظيم الفطرة التي فطر الله عليها البشر بعيشهم في جماعات، وهذا ما أكده علماء الاجتماع من أن السلطة ظاهرة طبيعية للمجتمع، كما يرى فقهاء وعلماء المسلمين إن السلطة ضرورة تقتضيها مصلحة المسلمين، وهي واجبة شرعاً وعقلاً ونقلاً، وهي ضرورية لحراسة الدين وسياسة الدنيا كما يقول الماوردي، سواء كان من يتولى هذه السلطة بالاختيار كما يقول أهل السنة، أو إنها بالتعيين كما يقول الشيعة، أو هي بالانتخاب أو بالاستيلاء، المهم أنهم اتفقوا على إنها من متطلبات قيام المجتمع.
  4. هذا الفرد منحه خالقه الحق في المحافظة على بقائه، وذلك بالبحث عن مأكله و مشربه وأمنه لتنظيم حياته الخاصة، فالحق الأول الذي فُطِر عليه هذا المخلوق هو حق البقاء، أي المحافظة على نفسه من الموت، وحق استخدام الوسائل التي تؤمن هذا البقاء، وحق وضع اليد إلى كل ما تصل إليه اليد باعتبار كل شي كان مشاع ولم تظهر الملكية بعد ، هنا بدأت فكرة الحق تبرز بين الأفراد، والتي تتمثل في الحقوق التي منحها الله للإنسان بحكم الفطرة، أو هي الحقوق الطبيعية كما يقول هوبز ولوك ورسو، وبحكم أن الله قد ميز الإنسان بالعقل، ولا يمكن أن يفعل الإنسان شي يؤدي إلى هلاكه، فاهتدي العقل البشري إلى ضرورة إيجاد شي ينظم هذه الفطرة فكان الله يرسل الرسل والأنبياء لتنظيم هذه الفطرة، فظهرت فكرة الحق والواجب والقانون، بمعنى إن عيش الفرد في جماعة يرتب له حقوق منحتها إياه الفطرة، وبالمقابل عليه واجبات ألزمته بها الفطرة، وهذا لا يتم إلا عن طريق تنظيم العلاقة بين الحقوق والواجبات.
بما أن الإنسان أصبح له حقوقاً وواجبات بموجب فطرته التي فطره الله عليها، وهو كان اجتماعي لا يعيش إلا في جماعة، وهذه الجماعة لابد لها من سلطة عليا تنظمها، وان الله أرسل الرسل بتعليمات وأوامر ونواهي لتبيان حقيقة هذه الفطرة والتي ترتكز على أهم ما ترتكز عليه وهي الحرية، وأن هذه الحرية مطلقة بما فيها اختيار السلطة التي ستنظم علاقاته وعيشه في جماعة، لأن حريته منحها له الله منذ خلقه، هذه السلطة التي اختارها الإنسان مع أبناء جنسه ومارس حقه في ترشيحها وانتخابها واختيارها، وعبر عن أرائه اتجاهها بكل حرية، وتشاور مع غيره في توليها من عدمه، هذه مجتمعة هي الحقوق السياسية في الإسلام التي ارتكزت على الحرية والفطرة التي فطر الله عليها البشر، وهي مرجعية وأساس لكل الحقوق الأخرى، ولهذا عندما يمارس الأفراد حقوقهم السياسية فإنهم يمارسون ما منحهم الله من حقوق منذ الخِلقة أو الفطرة الأولى، وإن أشد ما يواجه هذه الفطرة من تحديات فيما يخص الحقوق السياسية التي منحتها الفطرة للإنسان هو انتهاكات السلطة.
ومن خلال ما ذكر سابقاً نستنتج أن التكريم الإلهي والعناية الإلهية قد منحت هذا المخلوق الحرية الكاملة والحقوق التامة من جميع الجوانب بما فيها الجانب السياسي، فهي ليست منحة يمن بها أحد، وإنما هي حقوق منحتها له الفطرة التي فطر الله عليها البشر .
أما عن العلاقة بين الفطرة والحقوق السياسية، فهي علاقة وثيقة ومرتبطة بمسيرة حياة الإنسان، فكلما خضع هذا المخلوق لخالقه حاكماً أو محكوماً زادت مساحة ممارسة الحقوق السياسية.
إن الإنسان عندما يمتثل لتعاليم خالقه سيعلم أن الحقوق السياسية هي حقوق تهم جميع الأفراد، وبالتالي فكلما مارس الإنسان حق الترشيح وحق الانتخاب وحق التعبير عن الرأي وحق الشورى بصدق وأمانة كان هذا متسق ومتوافق مع فطرة الله للبشر، والعكس الصحيح كلما حُرِمَ الإنسان من ممارسة هذه الحقوق انهارت منظومة الحقوق الأخرى من اقتصادية واجتماعية وثقافية، لأن الأساس الذي تقف عليه هذه الحقوق هو الحقوق السياسية.
أما الجوانب السياسية المتعلقة بهذا التكريم وهذه الفطرة، فإن أعظمها وأشملها وأهمها الحرية السياسية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معني، فالحرية لا يمكن استيعاب معناها وتبلور مفهومها إلا من خلال ممارسة الحقوق السياسية، التي تتمثل في حق الترشيح وحق الانتخاب أو الاختيار وحق التعبير عن الرأي وحق اختيار من يتولى الأمر، ولهذا فقد استندت المرجعية الفلسفية للحقوق السياسية في الإسلام على ما فطر الله عليه خلقه من حرية، وما كرمهم به من دون الخلق.
هذه جزئية من دراستي العلمية المحكمة حول الفطرة في الاسلام ...لمن أراد معرفة جوهرها وكنهها... وهذا كان إجتهاد علمي قابل للصواب والخطاء..والله من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق