Translate

السبت، 15 سبتمبر 2012

هل حان الوقت لإنشاء تكتّل للمعارضة داخل البرلمان في ليبيا ؟

تابعت كما تابع بقيّة الليبيّين والليبيّات جلسات المؤتمر الوطني العام وعمليّات إنتخاب رئيس الوزراء، وأقول بأنّني سعدت بنتائج المرحلة التمهيديّة (الجولة الأولى) حيث فاز من فاز وأخفق من أخفق.
في الجولة الثانية أصبت أنا شخصيّاً بخيبة أمل كبيرة جدّاً مع أنّني كنت واقناً بحدوث هذه النتيجة منذ إسبوع قبل الإنتخابات، حيث أكدت لأحد أصدقائي بأن النتيجة سوف تكون تحديداً كما كانت.. أي، فوز الدكتور محمود جبريل والدكتور مصطفى أبو شاقور في الجولة الأولى بأغلب الإصوات ( كنت أضع الدكتور البرعصي في الترتيب الثالث مع إحتمال بسيط بأن يفوز بالترتيب الثاني على حساب الدكتور أبوشاقور)، ثم فوز الدكتور مصطفى أبوشاقور في الجولة الثانية نتيجة لتخطيط مسبق بين تنظيم الإخوان والجبهة الوطنية وبعض الإسلاميّين الآخرين لأنّهم جميعاً لا يريدون الدكتور جبريل أن يفوز والأسباب يعرفها الكثير من الليبيّين المعنيّين بشئون السياسة.
فاز الدكتور أبوشاقور ورغم إمتعاضي من ذلك (ليس لخطأ في شخصيّة الدكتور أبوشاقور، ولكن لخطأ في الممارسات والإعتبارات التي وللأسف تغلّب المصالح الذاتيّة على مصالح البلد ومصالح أهل البلد) لكنّني إمتعضت للعقليّة الليبيّة التي مازالت تمارس نفس آساليب الطاغية القذّافي.
بدون شك أنا ضد أن يصبح الدكتور محمود جبريل نائباً لرئيس الوزراء لأسباب تقنية صرفة، ذلك لأن تفكير الرجلين مختلفاً، ونظرية الحكم لدى كل منهما تختلف هي بدورها إختلافاً كبيراً. وكما أنّني كنت ضد أن يتحوّل الدكتور جبريل إلى نائب لرئيس الوزراء، كنت لا أرغب في حرمان بلادنا من خبرته المهنيّة والإستراتيجيّة في الوقت الحاضر بالذات.
كنت أحسّ ببعض علامات "الدوّامة" تنتابني حين إتّصل بي صديق عزيز كثيراً ما تشاركنا في بحث وتمحيص الوضع العربي معاً منذ أن كنّا طلبة في كليّة الطب، وعدنا إلى النقاش الجدّي أثناء قيام الثورة التونسيّة ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا. الصديق المعني هنا هو الدكتور "مفتاح التومي" الذي أحترم طريقة تحليله للأحداث السياسيّة، والطريقة التي يتوصّل بها إلى إستنتاجات كثيراً ما تكون موفّقة.
إتصّل بي "مفتاح" عقب إعلان النتائج وتحديد رئيس الوزراء، وبعد أخذ ورد قال لي الدكتور التومي إنّه سعيدا بهذا النتائج مع أنّني أعرف بأنّه من أكبر المناصرين للدكتور محمود جبريل. لم أستغرب من ردة فعلته تلك التي إعتبرتها مليئة بالتفائل والأمل، وفيها الكثير من الإيجابيّة تجاه مستقبل ليبيا الذي يهمّنا جميعاً.
قال الدكتور التومي: المشكلة  الكبرى التي سوف تواجه الحكومة الجديدة تكمن في المتطرّفين الإسلاميّين (السلفيّين) وكيفيّة التعامل معهم؛ وكذلك قضيّة إرتباط إخوان ليبيا بقوى ومراكز تأثير خارجيّة في مصر وقطر وربّما في السعوديّة أيضاً. كذلك – والكلام للدكتور التومي – فإن الجبهة الوطنيّة لم تتمكن من تحديد مواقفها بعد، وظلّت تتأرجح بين التحديث وبناء دولة عصريّة وبين الإرتهان في أحضان الإخوان والطوائف الدينيّة الأخرى نتيجة لتبادل المنافع "الآنيّة".
كنت إستمع جيّداً لتحليلات الدكتور مفتاح التومي حتى توصّل إلى الإستنتاج الذي يقول بأن فوز الدكتور أبو شاقور كان هو الحل الأمثل لليبيا في الوقت الراهن.
قال الدكتور التومي: الدكتور أبوشاقور كما نعرف هو من المحسوبين على الجبهة الوطنيّة، ويعتبر متعاطفاً جدّاً مع تنظيم الإخوان، ولا يعتبر معادياً للنتظيمات الإسلاميّة الأخرى بما فيهم بالطبع جماعة السلفيّة لأسباب لم نتمكّن من فهمها لكنّنا رجّعناها في الأساس إلى "إتفاقات ما وراء الكواليس"... أي نعطيك أصواتنا على شرط أن تعيّن رجالنا في الوزارات السياديّة !.
الدكتور أبوشاقور يعتبر – نتيجة للعوامل المذكورة أعلاه – من أحسن من يستطيع التعامل مع الجماعات الإسلاميّة المتشدّدة؛ فهو إن دخل معهم في صراع لخلع أسنانهم (السلاح) فإنّه ربّما يعتبر الشخص المناسب للقيام بمثل هذه المهمّة الصعبة. الدكتور أبوشاقور سوف ينظر إليه كل الإسلاميّون على أنّه ربما ينتمي إليهم ولا يختلف تفكيره كثيراً عن تفكيرهم فقد يتوصّل إلى معادلة مرضية معهم.... هكذا كان الدكتور مفتاح التومي يفكّر.
من الناحية الأخرى... فإنّ الدكتور محمود جبريل سوف يصطدم معهم من أوّل محاولة للتقليل من نفوذهم ذلك لأنّهم سوف يستخدمون سلاح "العلمانيّة" بكل قوّة وبكل تضخيم – كما سبق وأن إستخدموه من قبل -. سوف يتباكى السلفيّون ومعهم الإخوان على محاولات هذا "العلماني" محاربة دين الله وفرض أفكاره "التنصيريّة" على المجتمع الليبي بحجّة "التحضّر"، و"التمدّن"، و"العصرنة".
التيّارات الدينيّة سوف تستفيد من فزّاعة "العلمانيّة" وتستثمرها بشكل كبير جدّاً خاصة لو وضعنا في الإعتبار غياب الوعي السياسي لدى المواطن الليبي، مع بالطبع التأثير العاطفي لقضايا الدين والعلمانيّة.
الدكتور محمود جبريل سوف يجد نفسه يواجه السلفيّون، والإخوان، والجبهة الوطنيّة، وبقية المخدوعين من أبناء وبنات الشعب الليبي وإذا تشدّد في مواقفه فإنّه سوف يقود البلاد إلى حرب أهليّة مسلّحة حتى النخاع.
تلك كانت تحليلات الدكتور مفتاح التومي، وتلك كانت تفهّماتي لها بكل عمق؛ ومن ثمّ إتفق كلانا على أنّه في الوقت الراهن فإنّنا نرحّب بفوز الدكتور أبوشاقور وبطبيعة الحال – حيث يهمّنا مستقبل ليبيا – قرّر كل منّا التعامل معه ومع حكومته بكل إيجابيّة وبكل حماس.
بعد التفكير الجدّي فيما طرح أعلاه قلت في نفسي ربّما أصبح الوقت جاهزاً لتأسيس كتلة للمعارضة في داخل البرلمان يتزّعمها الدكتور محمود جبريل، تكون معارضة وطنيّة إيجابيّة همّها الوحيد مراقبة أعمال الحكومة وكشف المستور من خلال مناقشات ومبادلات المؤتمر الوطني داخل قاعة البرلمان بالإسلوب الديموقراطي المتعارف عليه؛ وبذلك يستمر الدكتور محمود جبريل في الواجهة، ويعمل على تصحيح المسار من خلال رصيده الشعبي الكبير الذي يتجاوز رصيد أي سياسي ليبي آخر سواء في داخل المؤتمر الوطني أو خارجه.... فهل يوافق الدكتور محمود جبريل على تزعّم المعارضة داخل البرلمان؟.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق