Translate

الجمعة، 20 سبتمبر 2013

لا تسلّموا ليبيا للإرهابيّين

كريستيان كاريل - (فورين بوليسي) 10/9/2013
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني ( صحيفة الغد الأردنيّة)
يستعد العالم حالياً لاحتمال عمل عسكري أميركي في سورية -أو لصفقة في آخر دقيقة تقصي الحاجة إلى خوض غمار حرب. وهذه قصة كبيرة ومهمة وأنا أفهم السبب في أننا نركز انتباهنا عليها. لكنها ليست القصة الوحيدة الحاضرة هناك. وحتى بينما يتلاشى وعد الربيع العربي، ما تزال ثمة أماكن تستطيع بلدان الغرب التدخل فيها بقدر قوي وفعال. ومن دون استخدام القنابل.
نمر الآن بالأيام التي تشهد إحياء الذكرى السنوية الأولى لقتل السفير الأميركي، كريستوفر ستيفنز، في ليبيا. وسوف ينتهز منتقدو أوباما هذه الحادثة مرة أخرى للدلالة على إخفاء الإدارة لشيء ما. وثمة البعض في الإعلام الأميركي ممن سيبحثون عن الطرف الذي يجب أن يوجه إليه اللوم، وما إذا سيكون من الممكن جلبه أمام العدالة. وذلك أمر مفهوم -خاصة بعد الأخذ في الاعتبار أن المشتبه بهم الرئيسين ما يزالون يستمتعون بحريتهم في بنغازي، ويجرون المقابلات مع الصحفيين ووسائل الإعلام. وما تزال الحكومة المركزية الضعيفة في طرابلس تتردد في فعل أي شيء حول الموضوع -ربما لأن المسؤولين القياديين يعون بألم أنهم لا يتوافرون على المصادر لإجراء التحقيقات، ولا على القوات لتحدي سطوة المليشيات المحلية القوية في بنغازي.
كانت وزارة العدل الأميركية قد اتهمت عدة مشتبهين بهم، بمن فيهم أحمد أبوختالة، قائد الخلية المزعومة التي نفذت الهجوم، بالإضافة إلى عدة أعضاء آخرين من ميليشيات أنصار الشريعة. وثمة البعض في مجموعة الاستخبارات الأميركية ممن يبدون وأنهم يفكرون في أخذ منفذي الاغتيال -يدفعهم إلى ذلك فشل السلطات الليبية في التحرك ضد هؤلاء الرجال. وفي الأسبوع الماضي، تحدى مقدم برنامج إخباري رئيس موظفي البيت الأبيض، دينيس مكدونو، حول الموضوع، مشيراً إلى أن العديد من المراسلين الصحفيين يستطيعون العثور على أبوختالة، بينما يبدو عملاء تنفيذ القانون الأميركي غير قادرين على فعل الشيء نفسه. وأجاب مكدونو: "إن حكومة الولايات المتحدة تفعل ما تقول، وسوف نفعل ما نقول في هذا الشأن كما نفعل في كل شأن آخر". وباختصار، لا يبدو هذا الجواب شافياً تماماً. وأنا لست سياسياً، ولذلك أتمتع بمزية تقديم جواب مختلف بعض الشيء. إذا أراد الأميركيون الوفاء لإرث كريستوفر ستيفنز المثير للإعجاب، فإنه يجب علينا أن نفعل كل ما نستطيع لمساعدة الليبيين على بناء نوع الديمقراطية التي يريدون -وعدم فعل أي شيء قد يخرج تلك العملية عن مسارها.
إن ليبيا ليست بأفغانستان ولا هي باكستان، وهي بالتأكيد ليست سورية. إنها بلد قاتل شعبه بقليل من المساعدة من العالم الخارجي طوال ثمانية شهور للإطاحة بدكتاتورهم. وهي بلد صوت شعبه من بعد ذلك في انتخابات حرة ونزيهة لصالح حكومة بقيادة أحزاب سياسية علمانية. وهي بلد تظهر فيه استطلاعات الرأي العام أن غالبية من السكان 83 %، وفق أحدث مسح من المعهد الوطني الديمقراطي، تعتقد بأن الديمقراطية هي أفضل شكل للحكومة. كما أنها مكان حيث الشعب (في تضاد صارخ مع مصر، على سبيل المثال) ما يزال ينطوي على موقف إيجابي تجاه بلدان الغرب. وكل هذا يعني أن ليبيا ما تزال تتوافر على إمكانية أن تصبح ديمقراطية قوية وصحية.
كما شاهدت خلال واحدة من التغطيات الأخيرة التي قمت بها في ذلك البلد، فإن المشكلة الكبرى التي يواجهها الليبيون في هذا الوقت بالذات تكمن في الافتقار إلى الأمن؛ إذ تنتشر الميليشيات المسلحة في كل مكان بينما تظل قوة الحكومة واهنة نسبياً. ولا تحظى المليشيات الإسلامية الراديكالية مثل "أنصار الشريعة" بأي شعبية على الإطلاق، وبكل المقاييس. وكان عشرات الآلاف من سكان بنغازي الغاضبين قد نزلوا إلى الشوارع بعد مقتل ستيفنز للاحتجاج على الهجوم، وأجبروا جماعة أنصار الشريعة على الانسحاب من المدينة. ومع ذلك، ولسوء الطالع، تتوافر الميليشيات على أسلحة بينما لا يتوافر المواطن العادي عليها. وفي وقت سابق من هذا العام، عادت جماعة أنصار الشريعة بلا توبة إلى بنغازي، حيث ما تزال تدفع بمنافسيها في كل مكان من المدينة. وقد تراجعت الحالة الأمنية تبعاً لذلك. وأصبحت تفجيرات السيارات والاغتيالات متكررة بشكل مثير للأعصاب.
دعونا نقُل إن الولايات المتحدة ستشن هجمات بالطائرات من دون طيار على قتلة ستيفانز (كما تشير بعض التقارير الإعلامية الأخيرة بأنها ربما تفعل ذلك على ما يبدو). فكيف سيرد الليبيون؟ إنني اتساءل وحسب، لكنني أعتقد بأن من المرجح جداً أن يصور رجال الميليشيات أنفسهم على أنهم شهداء وضحايا شجعان للقوة الأميركية الفائقة. ومن المؤكد أنهم سيحاولون الإشارة إلى أن الهجوم سيجعل المواطنين الليبيين دمى للقرارات التعسفية التي تتخذها حكومة أجنبية على بعد آلاف الأميال. وسوف يغضب الشعب، فيما سيحصل الإرهابيون على دفعة معنوية في وقت تلحق فيه المهانة بالحكومة المنتخبة. وهذا بالضبط ما لا تحتاجه الديمقراطية الهشة هناك. (من الصعب تصوير ضخامة عدم الشعبية التي تعاني منها حرب أميركا بالطائرات من دون طيار في الأجزاء الأخرى من العالم، والتي تعرضت لهذه الحرب).
ثمة طريقة أفضل. فقد حدا مقتل السفير ستيفنز بالبعثات الدبلوماسية في ليبيا إلى الانسحاب إلى مقارها وتكثيف الأمن فيها، وفي بعض الأحيان إلى خفض عدد الموظفين. وهذا أمر مفهوم، لكنه قصير النظر. فمع كل المشاكل التي تواجهها الآن، تحتاج ليبيا بأمسّ ما تكون الحاجة إلى المساعدة إذا أرادت النجاح في تجربة الديمقراطية. وهذا هو الوقت المواتي بالنسبة للبلدان التي ترغب الخير للبلد لتقديم مساعدتها إليه.
لست الوحيد الذي يفكر بهذه الطريقة. فثمة مجموعة من الخبراء الليبيين (بمن فيهم، كما يسعدني القول، محمد الجراح، من فورين بوليسي)، والتي أرسلت رسالة لتوها إلى وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، تدافع فيها بالضبط عن ذلك. وفي القطعة الرئيسية من الرسالة، يذكر الموقعون بأن كيري نفسه أكد مؤخراً لليبيين أن "الولايات المتحدة ستستمر في الوقوف إلى جانب ليبيا خلال هذا الوقت الصعب من الفترة الانتقالية"، ويحثونه في الوقت ذاته على الوفاء بذلك التعهد عبر "التأكيد مرة أخرى وزيادة الانخراط مع ليبيا، وتعزيز الدعم الأميركي لعملية انتقالها إلى الديمقراطية".
وتشير الرسالة إلى خمس مناطق تستطيع الولايات المتحدة إحداث فارق حاسم فيها -مثلاً، إعارة الخبرة لعملية صياغة الدستور الجديد؛ ومن خلال دعم "الحوار الوطني" بين طائفة واسعة من ممثلي المجتمع الليبي. ومن بين أشياء أخرى، أوصى الخبراء بأن تساعد واشنطن الليبيين في تطوير قطاعهم الأمني (خاصة في تدريب الجيش الليبي الوليد)، وكذلك في إصلاح النظام القضائي.
تلك بالضبط هي الطريقة الصحيحة والمناسبة. ويغلب أن تكون كلها ناجعة بشكل كبير. ومن المهم تذكر أن فرص النجاح ما تزال جيدة. ففي ليبيا سكان قليلو العدد نسبياً، وهي تتوافر على الكثير من الثروة النفطية، ولن تحتاج مساعدة شعبها إلى خزائن ضخمة من المال (ثمن عدد قليل من صواريخ التوماهوك سيكون أكثر من كافٍ). كما أن واشنطن لا تحتاج لأن تذهب ذلك الشوط وحدها؛ فالأوروبيون يبدون شغفاً للقيام بدورهم (وهم ينطوون على اهتمام قوي بفعل ذلك على ضوء تهديدات الهجرة غير القانونية والإرهاب التي ستترتب على السماح لليبيا بأن تصبح دولة فاشلة). لكن المسألة تتطلب التزاماً متجدداً من كل طرف منخرط، كما أن المزيد من التنسيق لن يكون شيئاً سيئاً أيضاً.
لعل من المهم تذكر أن هذه ليست حالة حيث توجد سلطة مركزية قوية نسبياً تسمح ضمنياً لإرهابيين ومتمردين بالاستقرار على أرضها. وإذا كان باستطاعتنا مساعدة حكومة طرابلس في تعزيز قوتها، فنستطيع على الأرجح أن نجعل الليبيين أكثر قدرة على جلب قتلة ستيفنز للمثول أمام العدالة بأنفسهم. وسيكون دعم هذا الجهد أفضل تعزيز ممكن لحكم القانون -وسيكون أيضاً بمثابة إحياء لائق لذكرى سفير ما يزال يذكره الكثيرون جداً في بنغازي. وأشك بأن ضربات الطائرات من دون طيار ستترك هذا الانطباع نفسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق