Translate

الأحد، 18 أكتوبر 2015

العقلانيّة هي المقدرة على إتخاذ القرار الصائب

شهدت الجمعة الماضية خروج بعض الناس في مدن المناطق الشرقيّة وهم يعلنون الرفض لحكومة التوافق الوطني، ومع إحترامي لرأيهم وطريقة تفكيرهم؛ إلّا أننّي أظن بأنّ الكثير منهم كان قد خرج بأثر نوازع عاطفية أو ربما بعضها كان جهويّاً مناطقيّاً. كان لبعض أعضاء مجلس النوّاب الرافضين دور كبير في تأليب تلك المجموعات التي خرجت في بنغازي وبعض المدن الشرقيّة، وكانت النزعة جهوية وإقليميّة صرفة ولا علاقة لها بالوطنيّة وهذه يجب أن تقال عالية وصريحة وواضحة حتى لا يتم الضحك على ذقون الآخرين من أبناء وبنات الوطن.
وبغض النظر عن الكثير من التهويل الإعلامي، فإنّ ملاحظاتي على تلك المجموعات التي خرجت بيّنت لي بأن الأعداد لم تكن كبيرة قياساً بقرار خطير مثل قبول أو رفض مشروع حكومة التوافق.

ولنعد إلى صلب الموضوع، ولنفكّر بعقولنا بعيداً عن العواطف.... وبعيداً عن "المحاصصة" والمناطقيّة، وتنبّها للنزعة الإقليميّة التي بدأت تطفو على السطح في المناطق الشرقيّة وذلك بإحياء بعض من المنتمين إليها لمشروع "برقة" وما يعني ذلك المشروع من دفع نحو التقسيم والتفريق بين أبناء الوطن الواحد.
نعم.... فقد بدأنا أخيراً نسمع كلمة "برقة" تتفوّق على كلمة "ليبيا" عند العوام وعند بعض "المثقّفين" والمتعلّمين في المناطق الشرقيّة وبنغازي على وجه الخصوص وفي هذا الكثير من المحاذير التي يتوجّب الإنتباه إليها والحذر منها . لقد بدأ الإنفصاليّون ينشطون بشكل كبير في المناطق الشرقيّة، وإستطاعوا بالكثير من الذكاء أو النباهة أو الحذق أو الحيل أو الخبث... إستطاعوا أن يركبوا الموجة مستغلّين بذلك أوضاع البلاد المؤسف لها. علينا الإنتباه كليبيّين وليبيّات الآن وقبل فوات الآوان، فليبيا ليست فيدرالية وهي ليست مناطقيّة وهي ليست كيانات قزمية أو قبلية... ليبيا هي دولة ويجب بأن تكون دولة عصريّة ومنسجمة مع محيطها وجزءً فاعلاً في عالمها الذي تنتمي إليه. الفيدرالية في ليبيا كانت قد تم إلغائها بقرار واضح وصريح من ممثّلي الشعب (البرلمان) وبموافقة من رأس الدولة والهيئات القضائيّة في عام 1963 وكفانا تدليساً يا دعاة الفيدراليّة.

أنا شخصيّاً أرى بأن الخيار الوحيد والمتيسّر - برغم كل المأخذ عليه - هو قبول حكومة التوافق الوطني، وتأجيل البث في موضوع مجلس الدولة ومجلس الأمن القومي..... فتلك يمكن إعادة البحث فيها بعد تشكيل الحكومة مع رفض واضح وأكيد للإسمين المقترحين (السيّد عبد الرحمن السويحلي والسيّد فتحي باش آغا).
النقطة الثانية التي لا يمكن التفاوض حولها أو القبول بغيرها هي "الجيش الوطني"، وإذا كان الفريق خليفة حفتر هو المعضلة فيمكن التفكير في حل منطقي وواقعي ووطني في هذا الإطار بالإتفاق الكامل (الأخوي) مع الفريق خليفة حفتر وبقيّة ضبّاط الجيش الذين يحاربون تجّار الدين ومرتزقة الثوريّة في بنغازي وما حولها وفي المناطق الغربيّة كذلك.

على مجلس النوّاب أن يحزم أمره وأن يكون متفهّماً للوضع... وان يكون أعضاءه أهلاً للمسئوليّة المناطة بهم. لابد لأعضاء مجلس النوّاب بأن يكونوا "رجال دولة" بالمعنى الصحيح، ولابد لهم من أن يصبحوا أكثر نضجاً وأكثر وطنيّة ممّا هم عليه الآن.. على الأقل بالنسبة للأغلبية الساحقة منهم.

أعيد وأكرّر.... إن الذين خرجوا في بنغازي وما جاورها يوم الجمعة الماضية هم مجموعات صغيرة جدّا ولا يمثّلون ثقلاً شعبياً يمكن الإستناد إليه في إتخاذ قرار مصيري مثل الذي ينتظر مجلس النوّاب. على أعضاء مجلس النوّاب العاقلين والناضجين أن يفكّروا بعقولهم وأن يروا قضيّة ليبيا بكل أبعادها الداخلية والدوليّة قبل إقدامهم على التصويت بلا أو بنعم. أنا أدفع وبقوة تجاه التصويت بنعم لحكومة التوافق، وبلا للجسمين الآخرين بإعتبار أنّ المقترح هو خارج الإتفاق ولا يمثّل المتحاورين بشهاداتهم، وأبيّن للجميع بأن مثل هذا القرار لاينقص من السيادة الليبيّة في شئ، ولا يقلّل من سلطات مجلس النوّاب إن هم وافقوا على هذا المشروع فهم مركز السلطة في ليبيا، وهم من سوف تكون له كلمة الفصل في الفترة الإنتقالية الموالية والتي أتمنّى وأتمنّى بأن تكون الأخيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق