Translate

الأحد، 20 ديسمبر 2015

محاربة أم مضاجعة الإرهاب ؟؟!!

عن: الحوار المتمدّن - للكاتبة العراقيّة\السوريّة دعد دريد ثابت

بعد إنقطاعي عن الكتابة لفترة طال أمدها، والتي لم أعتدها من نفسي. وبعد تطمين أصدقائي بأن الأمر طبيعي، وقد يحدث بين فترة وأخرى. عدت في حيرة من أمري بين ماهو الطبيعي واللاطبيعي في عالم أعتاد أمورا وأعتبرها طبيعية وأشياء هي طبيعية للبعض وأصبحت غير طبيعية للبعض الأخر.
وفي هذا السياق خرجت اليوم أول مرة بعد حوادث القتل والإعتداءات اللاإنسانية في باريس. وأنا في إيابي لموعدي، دققت وبشكل متعمد وجوه الناس في الحافلة والمترو، فرأيتها كالحة متجهمة مرتابة. لم أسمع أحاديثهم التي يشاركون بها الآخرين بشكل غير متعمد كالعادة، ولا ضحكاتهم الرنانة التي تدعوني أحياناً للإبتسام بالرغم مني. بل وأكثر من هذا رأيت نظرات القلق والتوجس، كأن كلا منهم يتحسب من الآخر. وضبطت نفسي أنا الأخرى، وأنا أحاول إصطياد المجرم قبل قيامه وقع الجريمة. وكل شاب أسمر يحمل حقيبة ظهرية، هو مدعاة لدي للشك والحذر. لا أقول إن قلقي قد أبتدأ بعد الأحداث الأخيرة في باريس فقط، وإنما قد سبقه منذ زمن، وبالذات بعد إزدياد موجة الملتحين ولابسي السراويل الأفغانية وإزدياد ظاهرة النقاب الأسود. وأنا أتساءل، كيف يستطيع الألمان وهم من حضارة إنسانية وليبرالية الرأي، تحمل وجود مثل هذه النماذج المقلقة والمتعبة للعين والذوق بين ظهرانيهم، والسماح لهم حتى بالتظاهر إحتجاجاً لمطالبهم الخرقاء المتعطشة للتزمت والمطالبة بالجهاد والإنضمام لصفوفهم بلحاهم التي تصل الى صدورهم وصراخهم الهائج كالثيران في حلبات المصارعة.
وأعود وأقول لنفسي، إنني أنا من أحتاج الى أشواط كثيرة لتعلم مبدأ الليبرالية والتسامح، كما يفعل الألمان. اليس لكل إنسان حرية الرأي والمعتقد؟ لماذا إذاً الخوف منهم، مادام إنهم لايتجاوزون على حريتي ولا يشكلون تهديداً لمبدأي وطريقتي في الحياة والتعامل.
وهذا ماكان معظم الأوربيون والألمان يفكرون به. الى حين أزدادت موجات الإعتداءات وخاصة الأخيرة في باريس. صرت أشعر بتغيير ولو لم يظهر علانية للآن، بشعور الشارع الأوربي بالغم والإستياء من العرب والشرقيين. لا أقول الجميع بل بعض منهم، وربما سيزداد الأمر إن أزدادت حوادث الإعتداءات. وكأن حال لسانهم يقول، نحن نستقبلكم في بلادنا، لنحميكم وتعيشوا وتعملوا وتحصلوا على الحريات التي حُرمتم ومُنعتم منها، وماذا نحصل بالمقابل؟ تقيمون في بلادنا، تأخذون أعمالنا، تزداد المشاكل والضرائب من جراء وجودكم لنوفر لكم السكن والظروف الإنسانية المناسبة، وكل هذا لايكفي، لتزداد جرائمكم من جرائم شرف لم يعتدها مجتمعنا، الى جرائم مخدرات، الى فتوات، والآن يصل الأمر بكم لقتلنا في شوارعنا ومقاهينا وصالات الموسيقى والفرح والمرح. هل أنتم كالكلاب التي تعض يد سيدها بعد إحسانه وإطعامه له؟؟ أسمع السيدة والأم الحنون ميركل والأب الصارم اوباما والرئيس الفرنسي أولاند، بدعوة " محاربة الإرهاب ". كأن الإرهاب له دولة وجيش نظامي تستطيع محاربته! بالرغم من إن مجرد التكلم بهذا الأسلوب أي "محاربة الإرهاب" هو مخالف للعرف الدولي. فالإرهاب لايحارب إنما يُقاضى عليه. والكثير من مشاركي الفيس بوك يضعون العلم الفرنسي رمزاً لمناصرتهم للشعب الفرنسي، وكأن العالم العرب خالٍ من العنف والإعتداءات والتهجير والإغتصاب منذ إحتلال فلسطين في 1948 وللآن. لكنني لم أر، أي عربي أو أوربي أو أمريكي يضع راية أي بلد من هذه البلدان المنكوبة ولا حتى رمز يعبر عن تضامنه مع السلام وضد شركات ولوبي الأسلحة والرأسمال الذي يغذي كل هذا العنف.
محاربة الإرهاب يا أيتها الأم الحنون ميركل وأيها الأب أوباما وغيرهم وغيرهم، لايتم بإنزال الجيوش في العاصمة الفرنسية، ولا بزيادة عمل المخابرات السرية ومراقبة تلفونات وإتصالات وإيميلات عامة الناس، ولا بقصف وتدمير بلدان بأكملها، كما تم في أفغانستان والعراق والآن سوريا. وقد أثبت المختصون عسكرياً ومخابرتياً عن عدم وجود قواعد القاعدة ولا حتى أسلحة الدمار التي أدعوا وجودها في العراق، والتي للآن لم يقدم ولا حتى إعتذار لشعب العراق أو تعويضاً، بالرغم من إنه لايمكن تعويضه عن كل ماتم تدميره وللآلاف من الحيوات التي تم قتلها وتشويهها وللآن يدفع الشعب العراقي والأفغاني ثمن هذا التدخل بحجة " محاربة الإرهاب ".
أ دماء هؤلاء العراقيين والأفغان والسوريين واليمنيين واللبنانيين وغيرهم ليست بدماء، أو أقل شأناً، لأنهم غير فرنسيين؟ لا أقول إنني لست بحزينة أو غاضبة أو خائفة عما حدث في باريس، فهو ممكن أن يحدث أيضاً في برلين. أنا أحمل كل هذا في جوارحي وأكثر، ولكنني أحمل ألم عدم تحقيق العدالة والمساواة في هذا العالم.
محاربة الإرهاب تتم عندما يتوقف الغرب عن إنتاج الأسلحة ويبيعها ويدعم بها أنظمة فاشية تتسبب في مقتل وسجن كل معارض وسياسي وفنان وأديب وحالم بالحرية، بدعم حركات تم تجميعها كإنسان فرانكشتاين المشوه المسوخ لتعيث بالأرض فساداً وقتلاً.
عندما لايزداد الفقير فقراً والغني غنىً، حتى في أوربا. فمعظم الذين شاركوا وسيشاركون عمليات القتل والتفجير، هم من الطبقات المسحوقة من أبناء الجاليات العربية والأفريقية والشرقية، التي لاتكمل دراستها ولا تجد لها عملاً يوفر لهذا الشباب متطلباته في عصرنا اليوم المادي، الراكض وراء أحدث أنواع التكنلوجيا، الذي لايستطيع تحقيق أحلامه، من سفر ودراسة وعمل وزواج وتكوين أسرة حتى في الغرب.
وعندها سيكونون مرتعاً خصباً لجهلهم والفراغ الإنساني والمادي الذي يحيطهم، للترويج لأفكار مسمومة لاعلاقة لها بأخلاق الإنسان تحت أسم الله والدين والكفر والإلحاد. وسيكونون كشباب فاقدين لأبسط مقومات الحياة على إستعداد حتي لقتل أنفسهم طواعية وتفجيرها بعد غسيل العقول التي خضعوا لها. كم هو يأس هذه الأرواح التي تصل لهذه القناعات، أن يضحووا بأنفسهم وهم في ريعان الشباب، وأن تُهدر هذه الطاقات، والتي لو توفر لها العدل والمساواة، لكانت ربما ستنجز أعمالاً عظيمة وإبتكارات تخدم البشرية، عوضاً عن ذلك تُستخدم لفناء وقتل البشرية والإنسانية وكوكبنا الأم.
أيها الرؤساء والملوك، حذارِ من غروركم وتعطشكم للمادة والسيطرة على شعوب العالم بنفطها وثرواتها، بصناعة الأسلحة وبيعها لهذه الشعوب ولحكوماتها الفاسقة من ملكية الى داعشية، فأنتم بهذه الطريقة لاتقضون على الإرهاب، إنما تضاجعوه وتزيدون إثارته. فالجني متى ماخرج من مصباحه لايمكن إعادته اليه، وستفقدون السيطرة تماماً، أو ربما هذا هو ماتأملونه، فالإحتكار يتغذى من تناقضاته وإن آلمته. فهو مايغذي الرأسمال فيكم، والجني والإرهاب ليس بداعش إنما أنتم، يامن تتحكمون بالمال والسلطة ؟؟!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق